كنت وما زلت أحد المسحورين بفكر ومقالات وبقلم الأديب الكويتي الأستاذ عبدالله خلف سواء الأدبية أو السياسية حتى ببرامجه الأدبية الإذاعية التي كنت استمع لها في السابق بما سمح لي الوقت كانت تأسرني وصوته الرخيم ولسانه العربي الفصيح حببني في اللغة العربية أكثر وأكثر لهذا فإني أعز هذا الرجل جدا رغم أنه لا يعرفني ولم يجمعنا أي لقاء شخصي ولكن جمعتنا بعض الندوات أو المؤتمرات التي أكون فيها من ضمن جمهور المشاهدين طبعا ، وفرحت يوما حينما قام بإنشاء موقع على الإنترنت وضعت رابطه في موقع يا وطن على طول ودون تردد ، علما بأنه من النادر أن يخلو الموقع من مقال من مقالات الأستاذ التي نتشرف بنشر أحدها في موقعنا.
وفي يوم الأحد الموافق 24/8/2008 قبل رمضان باسبوع ، صباحا دخلت مكتبي في العمل ، و فتحت الجريدة كعادتي على الصفحة الأخيرة ليقع بصري على اسم الأستاذ عبدالله خلف التيلجي ولكن هذه المرة مسبوق بإسم "طلال" ...أين ؟ في عمود الوفيات..تمزق قلبي للخبر لا حول ولا قوة الا بالله وانا لله وإنا إليه راجعون....خبر صاعق وفاجعة لقلب أستاذنا العزيز ولأهل وأسرة الفقيد...ولا أراديا أغلقت الجريدة وانطلقت الى عنوان العزاء وهناك لا شعوريا وجدت نفسي أمام الأب الطيب والد طلال لأشد على يديه وأقبّله وأدعو له بالصبر وبطول العمر وهذا هو حال جميع المعزين من شباب وشيوخ ، وانسحبت وفي قلبي غصتين الأولى على الفاجعة والثانية أن يكون أول لقاء لي مع الأستاذ الكبير هو في عزاء فلذة كبده.....نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يتولى الفقيد بواسع الرحمة وعظيم المغفرة وأن يسكنه فسيح جناته وأن يلهم ذويه الصبر والسلوان....وإنا لله وإنا إليه راجعون....
***
وأفل نجم ابني طلال
اليُتْم هو الانفراد بعد فقد عزيز واليُتْم واليَتم بضمها وفتحها فقدان الاب.. والاشد من ذلك ان يُدرك الموتُ الابن الشاب الذي هو في مقتبل العمر ليراه الاب وهو يرحل امامه فيترك في نفسه حسرة شديدة، وكانت مُناه ان يرحل هو قبل بنيه ولكن ارادة الله هي الحاكمة في كل امر فيكون قضاءً مقضيّا، فيستسلم الانسان المؤمن بقضاء الله وقدره، دون ان يُدرك سر السابق باللاحق ولا يعلم ذلك الا الله سبحانه وتعالى.. وحار في امر الحياة والموت الفلاسفة والحكماء.. وتباكى الشعراء حسرة وألما على الابناء الشباب الراحلين.جاء في كتاب العقد الفريد، وفي كتاب ادب الدنيا والدين وفي غيرهما ان ابا العتاهية عند دفن ابنه وكان شابا صغيرا قال فيه:
بكيتُك يا بُنيَّ بدمع عيني فلم يُغْنِ البكاءُ عليك شيّا
وكانت في حياتك لي عظات ُوأنت اليوم أوعظ منك حيّا
وقيل في كتاب الاغاني أن ابا العتاهية عندما وقف على قبر ابنه وقيل صديق له لورود »بُنيّ« تارة و»أُخيّا« تارة أخرى، فبكى بكاء طويلا أحرّ بكاء وهو يردد:
ألا من لي بأُنسكَ يا بُني
ومن لي أن أُبِثَّكَ ما لديّا
اطوتك خُطوب دهرك بعد نشر
ٍكذاك خطوبُه نشراً وطيّا
فلو نشرت قُواك لي المنايا
شكوت إليك ما صنعتْ إليّا
بكيتكَ يا بني بدمع عيني
فما أغنى البكاءُ عليك شيا
وكانت في حياتك لي عظات
ٌوأنت اليوم أعوظ منك حيّا
***
مواساة الناس للانسان تخفف عنه حزن الفراق، والشعب الكويتي من نسيج واحد وان رددنا بانه أسرة واحدة فلا يعني ذلك ضرباً من الاعلام، ولكنها حقيقة ثابتة نرى الناس يتهافتون من الاسرة الحاكمة الكريمة بكل افرادها وعلى رأسهم سمو الأمير وسمو ولي عهده وسمو رئيس الوزراء والشعب الكريم بكل فئاته دون فوارق وحجب لتنقلب جموع المواسين الى ما يشبه مجالس الافراح.. فيبدد الاحزان اطمئنان وراحة في القلوب.كان ابني طلال نسمة رقيقة هادئة وبلسمها على قلوب أمه وأبيه واخوانه لم نسمع من الذين خالطهم إلاّ القول الحسن لخلقه وسلوكه منذ ان كان صغيراً ويافعاً..كان قرة عين أمه منذ ان ولد ولم ينزغ نزغ الصغار، ولم يستخف به مرح الشبيبة.. ولم يرفع صوتاً في يوم على احد من اهله وكان يخضع جناح الذل لأمه وأبيه، ولا تفارقه البسمة لكل من ينظر اليه ونسمع عنه مدائح المدرسين والاصدقاء والاقارب.. هكذا كان في صحوه ومرضه أبكاني في مجلس عزائه زملاء دراسته منذ مرحلة الابتدائي وهم يثنون عليه وكذلك مدرسوه.ان الانسان يرى اليُتْم ويعيشه اذا رحل ابنه الشاب فيترك في نفسه حسرة وألماً لولا ايمانه بقدر الله ومشيئته.. وكتاب قُدرته في السابقين مع صغرهم باللاحقين.. ذهب ابني دون ان يمهله القدر ليكمل عقده الثاني من عمره الرطيب.
فعلل بالدواء اذا مرضنا
وهل يَشفي من الموت الدواء
ويحتار الطبيبٌ
وهل طبيب يؤخَّر مايقدمه القضاء
وما أنفاسنا إلاّ حساب
ُوما حركاتّها إلاّ فناء..
تحية لمن واسي، وتحية لمن شارك العزاء وتحية لمن حدّث وعبّر.
No comments:
Post a Comment