مسيرتنا في هذه الدنيا بين ظلمتين ، خرجنا الى الدنيا من ظلمة الأرحام ونخرج منها الى ظلمة القبور...نسأل الله لنا ولكم حسن الخاتمة وأن لا يرينا ظلمة بعدهما .
هل رأيتم مرة طائر مهاجر وديع يرفرف بجناحيه فينحني بتحية جانبية لكم ثم ينطلق في قلب السماء دون أن تراه مجددا ؟
هكذا أحسست حينما اختطفت يد المنون ابني ..زوج ابنتي..."راشد" في لحظات غادرة .
كما الوميض ظهر في حياتنا وغاب ، ثلاثة شهور فقط بين أبوتي وفقدي لهذا البطل الشهيد.
تتسارع الدقائق منذ لحظة تلاقي الأبصار وتحية الواثق واحترام الإبن الحبيب ، أودعته إحدى رياحيني وكلي أمل وإيمان به ، فزرعا الفرح النادر في قلبي حينما كنت أراهما معا في حلهما وترحالهما يمامتين متناغمتين.
كان نعم الرجل ونعم الابن البار ، وان غبت عنه يوما، تجده يفتّش الارض يبحث وينشد عني ويتسائل عن غيابي..
وقبل أيام أذكره مع زوجته يهاتفني من مكة المكرمة شرّفها الله ومن المدينة المنورة ، يطمئني ويحيّيني وينقل لي المشاهد مباشرة فأعيشها معهما ...
و ماهي الا سويعات من عودتهما الى الوطن العزيز فيفجعنا ويدمي قلوبنا .!!
صعقنا خبره مع شروق مختلف أقرب للظلمة لصباح كئيب ، تركنا بين كابوس الحلم ومر الحقيقة فأراه ممددا على الفراش الأبيض البارد بكامل السكون بلا حراك وأثار الدماء الغزيرة تغطي الجسد وجوانب الوجه الكريم ، شاهدة له بالبطولة والإقدام معلنة عن بداية حياة..أليس الشهداء بأحياء عند ربهم يرزقون؟!
تركتنا يا ولدي الغالي وسط صياح وعويل وبكاء الثكالى ، والدتك وزوجتك وأخواتك الصغار ، تركتنا لحر الدمع تلهب المآقي ومر الفجيعة تتجرعها الأفئدة .
والحمدلله أن كل شيء يبدأ صغيرا ويكبر إلا الموت ، يبدأ كبيرا ثم يصغر حتى يصبح ذكرى ، ولكن...يا راشد .... بعد أن واراك الثرى وسكنت بإذن الله تعالى مساكن الشهداء لم يبقى بيننا الا الدعاء وعزائنا اللقاء بك ان شاء الله هناك عند حوض قائد الغر المحجلين صلوات الله وسلامه عليه واله...
إن العين لتدمع وان القلب ليحزن وإنا يا راشد على فراقك لمحزونون....