بوشميس…ذكرياتي الأولى

بوشميس ..ذكرياتي الأولى

 يتذكر الإنسان بهذه الحياة خطواته وإنجازاته الأولى التي أتى بها ، كأول يوم دراسي أو أول شهادة حصل عليها أو أول رحلة صيد أو أول رحلة خارج البلاد ومن وراء تحقيقها أو من صاحبه فيها... ولكل منّا في بداية مسيرة حياته شخص أو عدة أشخاص يكونوا لنا دليلا وموجها وقد يبقى معك كمستشار إلى ماشاء الله، وهم في العادة الوالدين أو أحد الأخوة الكبار أو أحد الأقارب. بالنسبة لي -ولأنني الأكبر بين إخوتي - كان الدليل الأول لي بعد والدتي أطال الله بعمرها ووالدي يرحمه الله ، أصغر الأعمام وهو الأخ غير الشقيق لوالدي الذي يكبرني بعشرة سنوات تقريبا، فهو كان لي ما يسمّى بـ Big Brother ، لذلك أذكر في طفولتي أنه أول من أطبق على أصابعي بقلم الرصاص لأرسم أول الحروف ، وهو أول من أمسك بساقي يعلمني الوقوف على سجّادة الصلاة ، وهو أول من علمني ركل الكرة وفنونها وهو أول من أصطحبني لمشاهدة مباراة في ستاد نادي الكويت ، وهو أول من منحني بعد (حنّتي عليه وعلى جدتي) كرة قدم بالحجم الرسمي ، وهو أول من أقلّني للمطار في أول رحلة لي بالطائرة خارج البلاد ، وهو أول من كنت أتبادل معه السيارات والغتر والعقل "جمع عقال" ، وغير ذلك من الأحداث المصيرية الكثيرة التي كان له السبق فيها. وكبرنا وتقلّص فارق العمر، وأختفت الكلفة بيننا ،أناديه بلقبه ويناديني بلقبي وتشاركنا الحياة و تقاسمنا العيش والملح، فكان الملازم للأسرة وأول الحضور والمشاركين في الدوانية والمناسبات ويحرص على تواجده ، فكانت صداقة وثيقة أكثر منها صلة قرابة ودم ، وقد يكون الصديقين أضداد فتتباين الأطباع والاهتمامات و الآراء، تبقى المساحة الرمادية التي قد يختلفان ويتشاتمان ،يتعاركان ، يفترقان حتى لسنوات ، إلا أن عروة الود والفزعة بينهما تبقى لا تمس ، والحمدلله أن هذه العلاقة الوثيقة انتقلت إلى الأبناء والأحفاد ... كبر العم سريعا ، تتابع ابتلاء الأمراض ، التي أذابت عروقه وفتكت بلحمه و عظامه ، وأضعفت قلبه ، تحول الجسد الضخم وصاحب العضلات المفتولة إلى خيال واهن ، إلا أن روحه الساخرة المعهودة ومعنوياته الصابرة بقيت لآخر زفرة. رحل بوشميس ..عبداللطيف الأستاذ ، رحل بو سعود وبو أنوار وبو سارة عن أبنائه وأحفاده وعنّا وعن محبّيه وبقيت ذكراه وأثره في شخصية الأخ والصديق لكثير ممن عرفه واقترب منه. تغمّد الله روحه بواسع رحمته وعظيم مغفرته وتجاوز عنه وأسكنه فسيح الجنّان ...آمين.