المقاومة بين الشعارات القومية والإسلامية
حينما كانت الشعارات القومية تقود الحروب العربية الاسرائيلية الصهيونية لم يكن هناك أحد يحتج على هذه الحروب رغم خسائرها الفادحة وضياع كل الأراضي الفلسطينية وأجزاء من الدول العربية المجاورة وعندما تصدت الاحزاب الاسلامية لمقاومة الاحتلال منذ الثمانينات ظهر المعارضون ترى ما السبب؟
السياق التاريخي والاختلاف في الأيديولوجيات بين المراحل القومية والإسلامية في الصراع العربي-الصهيوني ساهم بشكل كبير في اختلاف مواقف الجمهور والدول من هذه الحروب والمقاومات. لفهم السبب وراء ظهور المعارضة للمقاومات الإسلامية في حين لم تكن هناك معارضة تذكر للحروب ذات الطابع القومي، يمكن تحليل المسألة من عدة زوايا:
1. الفرق في الإيديولوجيا والقواعد الشعبية:
-الشعارات القومية في الخمسينيات والستينيات كانت تركز على التحرر الوطني والقومية العربية، وهي إيديولوجيا جمعت شعوباً عربية واسعة خلف هدف التحرير والاستقلال، بغض النظر عن الانتماءات الدينية أو الفكرية. كان الخطاب القومي يحمل وعودًا بتوحيد الأمة العربية وتحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني.
-الأحزاب الإسلامية، مثل “حماس” و”حزب الله”، "الجهاد الاسلامي" اعتمدت خطابًا إسلاميًا دينيًا، ما جعل التأييد لها مرتبطًا أكثر بالانتماء الديني، مما خلق انقساماً داخل المجتمعات العربية بين مؤيدين للفكر الإسلامي وآخرين يرون في هذا الخطاب تهديدًا لنمط الحياة العلماني أو الحداثي.
2. التحولات السياسية والدولية:
-في العقود الأولى للصراع، كان العالم العربي منغمسًا في مشاريع التحرر من الاستعمار وكان الصراع مع الصهاينة يُنظر إليه كجزء من هذه العملية. أما في الثمانينيات والتسعينيات، فقد تغيرت البيئة السياسية الدولية مع انتهاء الحرب الباردة وصعود قوى جديدة، وبدأت بعض الأنظمة العربية بالتقارب مع الغرب والبحث عن حلول سلمية بدلًا من الحروب.
-ظهور الأحزاب الإسلامية كان في سياق إقليمي شهد أيضًا صعود تيارات إسلامية مسلحة في مناطق أخرى، مثل الثورة الإيرانية والحرب في أفغانستان. هذا أدى إلى ربط تلك الحركات بالمخاوف من الإسلام السياسي وما اعتبره البعض تهديدًا للاستقرار.
3. طبيعة الأنظمة السياسية الحاكمة:
-الأنظمة القومية كانت تقود الدول العربية بشكل مركزي وتستخدم أجهزتها الإعلامية لخلق دعم شعبي كامل للحروب. أما الأحزاب الإسلامية، فقد ظهرت في سياق معارضة تلك الأنظمة وتحدّت السلطة المركزية، مما أدى إلى مواجهتها بمعارضة داخلية من بعض الحكومات والنخب التي رأت فيها تهديدًا لاستقرارها.
4. الدعم الدولي والتصنيف السياسي:
-الحركات القومية حظيت في السابق بدعم من دول عدم الانحياز والكتلة الشرقية في إطار الحرب الباردة. في المقابل، الحركات الإسلامية واجهت ضغوطًا دولية متزايدة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، حيث تم تصنيف العديد منها كـ”إرهابية” في الخطاب الدولي، مما أثر على الدعم الشعبي والإقليمي لها.
5. تأثير الخسائر العسكرية والاقتصادية:
-في حقبة الحروب القومية، كان الناس يتحملون الخسائر على أمل تحقيق انتصار كبير وتحرير كامل لفلسطين. أما في فترة الثمانينيات وما بعدها، تراجعت الآمال بتحقيق نصر سريع أو كامل، وبدأ الناس يراجعون جدوى استمرار النزاعات المسلحة في ظل الخسائر المستمرة دون نتائج ملموسة.
لهذا يمكن أن نقول أن التحول من القومية إلى الإسلام السياسي في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي الصهيوني لم يكن مجرد تغير في خطاب، بل كان جزءًا من تحولات اجتماعية وسياسية عميقة في العالم العربي. ظهرت المعارضة للمقاومة الإسلامية بسبب اختلاف الأيديولوجيات، تغير المصالح الإقليمية والدولية، والخوف من تأثير الإسلام السياسي على الأنظمة الحاكمة والمجتمعات.
No comments:
Post a Comment