Saturday, January 11, 2025

سلامٌ على عبدالسلام

 سلامٌ على عبدالسلام…!!


برحيل العم المربي الفاضل الأستاذ/ عبدالسلام علي الأستاذ ،  يرحمه الله تعالى ، نطوي صفحة من تاريخ عائلة حفرت أثرها بحب وإخلاص في حياة من حولها. فقد غادرنا العم بوعلي، آخر أبناء الجد الملا الحاج / علي أحمد حسن الأستاذ (الذي كان من أوائل المعلمين في دولة الكويت) ، وآخر أبناء جدتي سارة عبدالله الأنصاري، إلى رحمة الله، تاركًا خلفه إرثًا عائليًا وتربويًا سيظل شاهدًا على مسيرته المشرّفة.


ولد العم عبدالسلام علي الأستاذ الأخ غير الشقيق لوالدي في الثاني من مارس 1951، وترعرع في منطقة القبلة بمدينة الكويت وسط أجواء مليئة بالأصالة والتراث، قبل أن تستقر العائلة في منطقة القادسية عام 1960.


كان فنانًا بالفطرة منذ صغره، عاشقًا للرسم والتصميم والتصوير الفوتغرافي ، ما أهّله ليصبح لاحقًا أحد أعلام التربية الفنية في الكويت. تخرج من معهد المعلمين عام 1973، ليبدأ رحلته التربوية الطويلة التي استمرت قرابة أربعة عقود، خدم فيها وطنه وأبناءه بإخلاص وتفانٍ.


بدأ بوعلي مشواره التدريسي كمعلم للتربية الفنية في مدرسة صقر الشبيب الابتدائية بمنطقة القادسية، حيث خاض تدريبه الميداني الأول. وبعد تخرجه، عُيّن في مدرسة الفحيحيل الابتدائية من سبتمبر 1974 وحتى 1982، هناك أسس علاقات قوية مع زملائه وطلابه. بعدها انتقل إلى مدرسة ابن ماجد الابتدائية في منطقة الأحمدي، وعمل بها من عام 1982 إلى 1986.


واصل مسيرته التعليمية متنقلًا بين المدارس، فعمل في مدرسة أبو حذيفة بن عتبة الابتدائية لمدة عامين، ثم انتقل لفترة قصيرة إلى مدرسة الصباحية الابتدائية لمدة شهر واحد، قبل أن يعود إلى مدرسة أبو حذيفة لفترة أخرى.

لاحقًا، انضم إلى مدرسة المنقف الابتدائية، و استمر في التدريس بها حتى عام 1989.

في نفس العام انتقل إلى مدرسة حمد الخالد الابتدائية، وبقي فيها حتى عام 1996، و أثبت كفاءته كمعلم وصاحب رؤية تربوية مميزة.

نتيجة لخبرته الواسعة ومهارته، رُقي إلى منصب وكيل بمدرسة صقر الشبيب الابتدائية، ليعمل مساعدا لمديرها الأستاذ عبدالرحمن الفارس، ثم أصبح مديرًا للمدرسة في عام 2000.

في عام 2002، وقع الاختيار على الأستاذ عبدالسلام ليشغل منصب مدير بإدارة التعليم الخاص مديرا للمدارس الإيرانية في منطقة الرقعي، حيث قاد العمل الإداري والتربوي بحكمة واقتدار حتى تقاعده في عام 2013.

ولم تتوقف مسيرة العطاء بعد تقاعده الرسمي في عام 2013، إذ استمر في العمل كمستشار ومشرف تربوي في المدارس الخاصة، حيث نقل خبراته الطويلة إلى أجيال جديدة من المعلمين والإداريين.


لم يكن بوعلي مجرد معلم أو إداري ناجح، بل كان أيضًا عمودًا أساسيًا في العائلة، يجمع القلوب ويصلح ذات البين. عُرف بمبادراته الطيبة لرأب الخلافات بين الإخوة، رغم تحمله للكثير من اللوم والنقد. كان يلجأ إلى الحيلة أحيانًا، مثل إرسال أحد أبنائه لزيارة أحد إخوته المتخاصمين معه، لتليين القلوب وإعادة الأمور إلى نصابها.


ومن وطنيته وحبه الجارف للكويت تطوّعه في القوات المسلحة بعد أزمة الصامتة مع جار الشمال عام 1973 ، وكنت أرافق العم عبداللطيف يرحمه الله في الذهاب بالسيارة لأخذ بوعلي من مركز تدريب الحرس الوطني.

وتكرر المشهد الوطني في الاسبوع الأول من الغزو العراقي عام 1990 حينما طلبني وأخي بوفهد في منزله للتأكيد والاتفاق على حمل السلاح والدفاع عن حياض الوطن المفدّى والأسرة الحاكمة الكريمة.


 رغم التحديات التي واجهها داخل العائلة، إلا أنه حافظ على زياراته الأسبوعية لبيت شقيقه بوصلاح، ولم ينقطع عنها إلا لعذر قاهر. فكان كبير الديوان بعد وفاة أخيه، ومرشداً وناصحًا أمينًا وصديقًا للأبناء والأحفاد على حد سواء. وكنا نرى أحفاده ينادونه بلقبه المحبب إليه "بوعلي" بدلا من جدي أو أبي.


ومن المواقف الإنسانية المؤثرة التي تذكرها العائلة، إنقاذه لي نهاية الستينات في طفولتي من الاختناق داخل سيارة مغلقة في أحد أيام الصيف الحارقة بجنب بيوت الخالد الكرام جيراننا في منطقة القادسية، ومساهمته في إنقاذ حياة والدي يرحمهما الله عندما تدخل في الوقت المناسب واقنعه لإجراء عملية جراحية عاجلة له بداية الألفية.


كما كان بوعلي مصدرًا للفرح في المناسبات العائلية، مثل حفل تخرجه من معهد المعلمين عام 1973 الذي أحياه مطربون شعبيون فوق سطح منزل العائلة في القادسية، أو حفل خطوبته الشهير بنفس العام الذي جمع الأهل والأصدقاء على البهجة والسرور قبل وفاة والده الحاج علي الأستاذ يرحمهما الله.


"كلمات خالدة"

حين تحدثت والدتي حفظها الله عن العم بوعلي، قالت كلمات تلخص سيرته: “منذ زواجي بوالدك رحمه الله في بداية الستينيات ، وعبدالسلام وأخوه الأصغر عبداللطيف كانا طفلين يعيشان معنا. طوال تلك السنوات، لم أسمع منهما كلمة واحدة تجرح مشاعري. كانا طيبين معي فهما كالإخوة لي عوضوني غياب أخوتي، وهذا ما يجعل فقدانهما اليوم صعبًا للغاية.”


وبعد منتصف ليلة السبت الموافق 7 ديسمبر 2024،  رحل بوعلي ،  عبدالسلام الأستاذ تاركًا خلفه إرثًا من القيم والإنجازات والذكريات لكل من عاصره وشاركه الحياة.

نسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته، ويجعل قبره روضة من رياض الجنة، وأن يجمعنا به وبأمواتنا وأمواتكم جميعا في الفردوس الأعلى.

“اللهم اجعل مثواه الجنة، وأجزه عن عطائه خير الجزاء، وألهمنا وأسرته الكريمة وأهله الصبروالسلوان.”


No comments:

Post a Comment