كان أبطال الرحلة الأخوة الثلاثة فاضل وخالد وعبدالله خلف التيلجي الأساتذة والأدباء الكويتيين الذين وضعوا بصماتهم في تاريخ وحاضر الأدب الكويتي.
فكانت الأمسية الحلم التي جمعت أفراد عائلة أدبية يشار لها بالبنان ، تصغي لهم الأسماع ان تحدّثت حناجرهم وتهفوا لهم القلوب ان كتبت أناملهم من شعر وقصة ومقال ونقد سياسي أو أدبي أو اجتماعي.
وزاد الجو متعة ورونق التواجد الكثيف الذي غص به مسرح الرابطة حاضن الأمسية التي أدارها الأستاذ وليد بو رسلي .
ولد الشاعر والأديب الكبير فاضل خلف حسين التيلجي في يوم الأحد الثاني من أكتوبر عام 1927 في الكويت ، وأثناء سفر والده السيد خلف التيلجي في عمله حينما كان يعمل مأمورا للتلكس ، جال في خاطره أن يفتح صندوقا للوالد لم يفتحه من قبل قط ، فإذا به يجد مجموعة من الكتب كان يجلبها الوالد من سفراته الى البصرة وعبادان فبدأ بقراءتها فكانت هذه الشرارة التي أشعلت نور الأدب لدى أستاذنا الفاضل ذو ال 12 ربيعا في ذلك الوقت وكان من هذه الكتب ديوان الرصافي وكتب في التاريخ والجغرافيا وعددا من المجلات كالرسالة والهلال، فبدأ أديبنا بكتابة الشعر إلا أن نصيحة من الشيخ يوسف بن عيسى القناعي رحمه الله جعلته ينتقل لكتابة القصة لسهولة كتابتها مقارنة بالشعر لما يحتاجه من وزن وقافية وخلافه ، وقد أبدع أديبنا الفاضل في كتابة القصة أيما إبداع وأصبح من روّادها فهو أحد ثلاثة كانوا يكتبون القصة في ذلك الزمان وهو أول من أصدر مجموعة قصصية في الكويت عام 1955 وكانت تسمى "بأحلام الشباب".
درس أديبنا في مدارس الشرقية والمباركية ثم أصبح مدرسّا فيها ، ثم عمل في دائرة المعارف ثم في دائرة المطبوعات والنشر في الخمسينيات ، ثم سافر الى بريطانيا ودرس فيها لمدة ثلاثة سنوات .
وفي بداية الستينيات التحق بالسلك الدبلوماسي وعمل كملحق صحفي في السفارة الكويتية بتونس حتى منتصف السبعينيات. أثرت الإقامة في تونس أديبنا الكبير فقدم لنا الكثير من المؤلفات والمقالات الأدبية الرائعة.
ومن الطرائف التي ذكرها الأديب فاضل يقول : كان الشيخ فهد السالم يرحمه الله يتحدث الانجليزية بطلاقة فطلب أخوه سمو الأمير الأسبق صباح السالم طيب الله ثراه من السيد خلف ان يعلمه إياها فتعذر لكبر سنه وعدم قدرته على السهر لأن الشيخ صباح السالم مشهور بالسهر فقال من المناسب أن يقوم فاضل بتعليمك الإنجليزية بدلا عني ، وقد كان له ما أراد ، ويضيف الأستاذ فاضل فيقول : كنا نتأخر كثيرا حتى منتصف الليل ليس بيننا إلا الانجليزية والشاي والقهوة!
وفي عام 2004 تعرض الأستاذ فاضل خلف لجلطة في القلب تعافى منها ولله الحمد فتوقف عن كتابة الشعر حتى لا يتعب قلبه. إلا أنه قرأ لأدباء المغرب مدحهم وإطرائهم الكبير لمجلة العربي الكويتية فعاد الى الشعر مرة أخرى بقصيدة نظمها في الإشادة بأدباء المغرب. ثم كتب قصيدة أخرى في الشاعر الكويتي الراحل خالد الفرج بعد أكثر من أربعين سنة من رحيله، ألقى على مسامعنا بعض منها.
***
وكان الأستاذ عبدالله خلف قد ولد يوم 13 نوفمبر 1937 في منطقة شرق. حاصل على لسانس آداب من جامعة الكويت عام 1969 وشهادة الماجستير من الجامعة اليسوعية في بيروت عام 1974.
عمل رئيس القسم الأدبي بإذاعة الكويت منذ عام 1968 حتى عام 1988 ، شارك في تأسيس مسرح الخليج عام 1963 .
للأستاذ بو طارق "عبدالله خلف " قلمين ، قلم مسموع عبر الإذاعة وقلم مقروء عبر المؤلفات والمقالات فيقول حفظه الله : كانت البداية في أواخر الخمسينات حينما كتبت مقالات في صحيفة أخي خالد "الشعب" ثم انتقلت للكتابة في عدد من الصحف ذكر أصحابها كـ"الهدف" لداود ومحمد مساعد الصالح ومجلة الرسالة لجاسم مبارك الجاسم وصوت الخليج لباقر خريبط والرأي العام والنهضة لعبدالعزيز المساعيد وكتب كذلك في الطليعة والسياسية والقبس إلى أن استقر في أواخر الثمانينات في صحيفة الوطن وحتى الآن. وله عددا من المؤلفات مثل : "عندما غاب الرأي" – "أبعاد القضية الفلسطينية من المناورات الدولية إلى انتفاضة الأقصى" - العاشقون العرب لبنات أعمامهم وهذه الكتب بحوزتي منذ أن نشرت ولكنه أهداني -حفظه الله- نسخ أخرى منها حينما إلتقيته في نوفمبر الماضي كذلك له كتب أخرى لم احصل عليها حتى الآن وهي "مدّرسة من المرقاب" وهي أول رواية كويتية نشرت عام 1962 و الشعر ديوان العرب الشعراء الصعاليك وكتاب الشعر ديوان العرب شعراء المعلقات وكتاب لهجة الكويت بين اللغة والأدب جزأين.
أما القلم المسموع فكانت برامجه الأدبية القيّمة التي تأخذ بالألباب فتجبرك على الاستمرار بقيادة سيارتك حتى ينتهي البرنامج ناهيك عن تجاهل أي اتصال هاتفي. وكانت البداية عام 1964 في برنامج جولة في عالم الأدب استمر حتى عام 1985 ثم الشعر ديوان العرب منذ عام 1985 حتى قبل يوم واحد من الغزو العراقي المشئوم عام 1990 ومعارضات يا ليل الصبا ولهجة الكويت بين اللغة والأدب من 1988 إلى 1989. مواقف في حياة الشعراء منذ 1996 من اخراج علي العيد.
أما الشعر و الشعراء فهو برنامج يومي بدأ من شهر يونيو 2006 و مستمر حتى الآن و يذاع الساعة التاسعة إلا ربع ما عدا الجمعة وهو من إخراج عبدالله الخليّفة.
والجدير بالذكر أن بداية الأدباء خليفة الوقيان ويعقوب السبيعي ومحمد الفايز يرحمه الله وعدد من أدباء السعودية والبحرين كانت من خلال برنامج جولة في عالم الأدب في الستينات لأديبنا العزيز بو طارق وما زال الأدباء يذكرون ذلك.
***
الأستاذ المحامي والنائب السابق خالد خلف
اما الرحلة الثالثة فكانت مع الناشط السياسي والمحامي الأستاذ خالد خلف ، المولود في عام 1931 ، وأول كتابات "بو وليد " كانت في مجلة البعثة وأثناء دراسته في بيروت كتب في مجلة الأحد. ثم عاد الى الكويت وعمل في شركة نفط الكويت وكان للشركة مجلة يشرف عليها الإنجليز بحكم سيطرتهم على شركة النفط في ذلك الوقت فوجد أن المجلة تهاجم جمال عبدالناصر ودعوته الوحدوية القومية فشكاهم الى محافظ الأحمدي حينها سمو الأمير الراحل جابر الأحمد وأخبره بوجوب مراقبة ما يكتبه الانجليز في المجلة لأنها مطبوعة تطبع داخل الكويت بالتالي يسري عليها قانون المطبوعات فأرسله الى رئيس دائرة الأنباء والإرشاد في مبنى وزارة الإعلام القديم سمو الأمير الحالي الشيخ صباح الأحمد الذي استحسن الفكرة وتمت مراقبة المطبوعة الانجليزية ثم تم تعيين بو وليد نفسه رئيس تحرير المجلة فأوقف كل ما من شأنه فيه مهاجمة لجمال عبد الناصر أو للقومية العربية.
إلى أن عرض أحدهم على الأستاذ خالد فكرة إنشاء جريدة خاصة به ، وكان القانون يحتم على صاحب الترخيص أن يكون متفرغا وأن لا يكون موظفا ، فاستقال من النفط وأسس جريدته الخاصة "الشعب" فرأس تحريرها و كان فيها الكاتب والمحرر وأدخل فيها الرسم الكاريكاتيري لأول مرة من خلال شخصيتين ابتكرهما هما "ولد عريب وطبل أفندي" ويذكر أنه قام بنشر مقابلة مع جمال عبدالناصر في أول عدد للمجلة واستمرت لسنتين تقريبا حتى توقفت مرغمة بأمر السلطات عام 1959 . والجدير ذكره أن الأستاذ خالد خلف كان عضو بمجلس الأمة عام 1975 الذي تم حله في صيف 1976 وقد زامل أعضاء مجلس الأمة في تلك الفترة من أمثال الدكتور أحمد الخطيب والأستاذ جاسم القطامي وأحمد السعدون والمرحوم سامي المنيس والدكتور عبدالله النيباري الذي زامله في الدراسة أيضا علما بأن الدكتور النيباري كان أحد حضور هذه الأمسية.
***
محاكمة أدبية علنية :
- ذكر الأستاذ عبدالله خلف حادثة غريبة حصلت في طفولة أخويه فاضل وخالد فيقول : ان والدته وضعت رضيعها ( محمد) وهو في المهد أمام باب الغرفة، وكان الظلام بدأ يهبط رويدا رويدا، وفي هذه الأثناء يقتحم الصبيان فاضل وخالد الغرفة مخبطا احدهما أو كلاهما في بطن أخيه ففارق الحياة، فتوجه الأستاذ عبدالله بسؤال أخويه عن المتسبب في مقتل شقيقهم الرضيع محمد ، فكانت محاكمة علنية لجريمة حدثت قبل سبعين عاما دافع الأستاذ خالد عن نفسه مستفيدا من مهنته كمحامي وقال أن الجريمة تسقط بالتقادم كونها قتل خطأ بالإضافة الى صغر سنّه حيث كان في الرابعة من عمره ليس كفاضل الذي يكبره بثلاثة سنوات ، ولم نستمع لدفاع بو محمد إلا أن الأستاذ خالد قال يبدوا أن فاضل هو الفاعل لأنه تكفيرا عن ذنبه قام بتسمية ابنه البكر باسم شقيقه المقتول !!
***
حقيقة كانت الأمسية الحلم بكل ما تحمل من معنى جميل برفقة الأخوة الثلاثة حفظهم الله ، فنسأل الله لهم العمر المديد يقضونه بموفور الصحة والعافية ، شاكرين لهم كفاحهم وإخلاصهم لوطنهم وأمتهم ، آملين أن يستفيد شباب اليوم من تجارب وسيرة أدبائنا الأفاضل وبأمثالهم من رجال ونساء الكويت الأوفياء الذين بنوا هذا الوطن العظيم فيقتدون بهم ويتبعون خطواتهم في الكفاح والإخلاص وفي الجد والعلم والعمل وفي الثقافة وفي التواضع وسمو الأخلاق .
جانب من الحضور قبل بدأ الأمسية
***
No comments:
Post a Comment